الخيانة ليست رأياً

يُواجه المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، بعد غد الثلاثاء، وكما هو معلوم، منتخبَ جنوب إفريقيا. وذلك برسم ثُمُن نهائيات كأس إفريقيا للأمم، وفي أجواء وطنية حماسية تعكس تطلُّع الشعب المغربي إلى الحصول على اللقب القاري. وهو تطلع مشروع ومنطقي بعد الإنجاز الذي حققه منتخبُنا الوطني في النسخة الأخيرة لكأس العالم.

في هذه الأجواء، التي يصطف فيها جميعُ المغاربة لتشجيع منتخبهم الوطني بروحٍ وطنية ورياضية عالية، اختار المدعو عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والقيادي بحزب النهج الديمقراطي العمالي، أن يعلن مساندته لمنتخب جنوب إفريقيا.

هذا الأمر قد يحصُل. ويمكن اعتبارُه عادياً جدا كرد فعل من جمهور رياضي غاضب من أداء منتخبه، أو حتى من مُشجِّعٍ فرد لنفس السبب. وكثيرا ما رأينا جمهور منتخب أو فريقٍ ماَ يشجع المنتخب أو الفريق الخصم كتعبيرٍ عن عدم رضاه على مستوى منتخبه أو فريقه. لكنَّ الأمر ـ في حالة المدعو عزيز غالي ـ لا صلة له بالرياضة من قريب ولا من بعيد، وإنما هو موقفٌ سياسي خالص. ذلك أن الشخص إياه أعلن في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك أن مقابلة المنتخب الوطني، ضد نظيره الجنوب إفريقي، هي “مقابلة بين المقاومة والتطبيع”.

طبعاً، من حق المدعو غالي أو غيره أن يتخذ الموقف الذي يراه مناسباً من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل. ولا حقَّ لأحدٍ في محاسبته هو أو غيره، سواء سياسياً أو أخلاقياً، على موقفه هذا. لكنَّ ما ليس طبيعياً هو تحويلُ حدث رياضي خالص إلى مواجهة سياسية بين موقفين: ما يسمى ب”المُقاومة” وما يُنعت ب”التطبيع”. وذلك علماً أن الأمر ينطوي على مغالطة سافرة إذ أن جنوب إفريقيا تقيم رسمياً علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ سنة 1949، ولم تتدهور العلاقات بين الدولتين إلا في الآونة الأخيرة. وظاهِرُ هذا التدهوُر هو الخلاف بينهما بسبب الحرب بين إسرائيل ومنظمة “حماس”. أما باطنُه فهو تضاربُ المصالح بينهما على صعيد القارة الإفريقية. وأحَدُ مظاهر هذا التضارُب هو التنافس القائم بين المغرب وجنوب إفريقيا على زعامة القارة السمراء، والذي تقف فيه إسرائيل ـ بحكم مصالحها طبعا! ـ إلى جانب المغرب. وهنا بيتُ القصيد!

فالأمر لا يتعلق ب”مقاومة” ولا ب”تطبيع”. ذلك أن جنوب إفريقيا، ومنذ خروجها من قبضة نظام الميز العنصري، ترى نفسها الأحق والأجدر باحتلال الصدارة إفريقياً. والمغرب، على الجانب الآخر، وفي ظل السياسة الإفريقية الجديدة التي يقودها الملك محمد السادس، يرى نفسه هو الأولى بذلك. وحتى لا يكون للمغرب موقعُ الريادة إفريقياً فلا بد من قَصِّ جناحه عبر دعم الأطروحة الانفصالية التي تُجسدها شرذمة البوليساريو، ويقف وراءها اليوم تحالفٌ يتكون من الجزائر وإيران وجنوب إفريقيا. ولذلك فجنوب إفريقيا تُعلن العَدَاء الكامل والشامل للمغرب، وتصطف إلى جانب الجزائر التي تحتضن البوليساريو، وتتموقع في نفس الخندق مع إيران التي تمُد البوليساريو بالأسلحة والخبراء العسكريين لاستهداف المغرب وقتل المغاربة.

بالتأكيد، فهذا كله يقع خارج مجال الرياضة، ولا ينبغي بحال من الأحوال للخلافات السياسية أن تُسَمِّمَ أجواء المنافسات الرياضية التي يجب أن تظل موسومة بالبعد الإنساني أولاً وأخيرا، وأن تبقى فضاءً لمد جسور التواصل والتفاهم والتعايش بين مختلف شعوب المعمور. لكنَّ المدعو عزيز غالي لم يترُك للمنافسة الرياضية طابعها الإنساني الذي يسمو عن السياسة ورهاناتها ودسائسها. وحين صوَّرَ مقابلة الثلاثاء المقبل كمقابلة بين “التطبيع والمقاومة” فهو لا يتخذ موقعاً كمشجع رياضي على الإطلاق، وإنما هو يستغل، ويُسَخِّرُ، حدثاً رياضياً لتصريف موقف سياسي. وَتَوْسيلُ الرياضة لغايات سياسية يبقى أمراً غير أخلاقي بصرف النظر عن الجهة التي يصدر عنها. أما حين يكون الموقفُ الذي يتم تصريفُه مسانداً لدولة معادية، ومعادياً للوحدة الترابية للبلاد، ومُناهضاً للقضية الوطنية، ومؤيداً للتحالُف الذي يخوض من الناحية العملية حرباً ضد المغرب، تُقصَفُ فيها الأحياء السكنية وتستباحُ فيها دماءُ المدنيين العُزَّل، فهذا ما لا يمكن تصنيفُه إلا في خانة الخيانة. والخيانةُ ليست رأياً يُحترَم والخائن ليس جديراً بالاحترام.

نعم، لقد قام المدعو عزيز غالي بحذف تدوينته تلك بعد رد الفعل القوي من بنات وأبناء الشعب المغربي على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي. لكنه أضاف بعدها تدوينة أخرى قال في ختامها “البافانا بافانا رمز المقاومة”. وهو ما يعني نفسَ ما ذهب إليه في تدوينته المحذوفة: الخيانة!

أضف تعليق