الهُوية السِّمْنُولُوجية

على امتداد سنوات طويلة، دأبت جحافلُ الخَوَنْج، بمُلْتَحيها و”قنديلاتها”، على التطبيل والتزمير للمسمى “محمد الفايد”. وظهر هذا الكائن وهو يخطبُ في المساجد بكامل أناه المتضخم، ويده تلوح في الهواء على طريقة أدولف هتلر، بينما قُطعانُ الخونج تستمع إليه وهو يطلق أكاذيبه المكشوفة حول تاريخه “العلمي” المزعوم.

تمَّ تقديم الكائن عينه بصفته خبيرا في التغذية رغم أنه كان يدعو الناس إلى أكل بَعْر البعير وشُرب بَوله. وتجاوز ذاتُ الكائن حدود ما يسميه “علم التغذية” (رغم أن هذا العلم لا وجود له على قائمة العلوم!) ليدعو مرضى السكري، الذين يُمنع عليهم الصوم طبياً، إلى انتهاك التعليمات الطبية وصوم رمضان قائلا بكامل أناه المتضخم: “اللي مات على حسابي”. ولا أحد حتى الآن استطاع معرفة معنى هذه العبارة. فهل كان الفايد سيُحيي الموتى على غرار ما يُحكى عن عيسى بن مريم في القرآن وفي بعض المرويات الأخرى أيضا؟ أم أنه كان سيعيدُهُم خلقاً جديدا كما يفعل الله بالناس حين يُنْفَخُ في الصور وفق التصور القرآني؟

لا أحد يعرف. ولا أحد حتى الآن سأل صاحب هذا الدَّجَل المفضوح أو ساءله عن هذه التصريحات الخطيرة التي كان من شأنها تعريض حياة الغير للخطر. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فالكائنُ نفسُه خرج ذات يوم ليقول بأن جميع حَفَظَة القرآن لديهم “انتصابٌ جيد” وكأن القرآن من مشتقات الفياغرا أو كأنه يحمل بين آياته جرعةً من السلدينافيل. ولا أحد ـ مرة أخرى ـ سأل صاحب الدَّجَل عن الأساس الذي بنى عليه هذا “الحُكم القضيبي”. فهل طاف المدعو الفايد على حَفَظَة القرآن وقاسَ درجة انتصابهم واحداً وراء الآخر؟ وإذا افترضنا أنه قد فعل فما هي أداة القياس التي استعملها وما هي وحدة القياس التي اعتمدها؟

مرة أخرى، لا أحد يعرف. ولا أحد سأل صاحب الدَّجل. وفي كل هذا الهراء كان الخَوَنْج، بمُلْتَحيهم وقنديلاتهم، يروجون للمدعو محمد الفايد باعتباره “عالما” و”طبيباً” حتى أنه بلغ به الغرور والصَّلَف حدَّ ادعائه القدرة على صنع لقاح مضاد لفيروس كورونا.

لكنْ، ومن سوء حظ هذا الدَّعي، أن فرنسا بلدٌ يُؤرْشِفُ جميع رسائل الدكتوراه التي قُدِّمَت في جامعاته، ويضعها رهن إشارة العموم في موقع إلكتروني واحد وموحَّد. وبالعودة إلى الموقع المذكور نجد أن المدعو الفايد قدم رسالة دكتوراه في كيفية تحضير السَّمن المغربي لا أقل ولا أكثر، أي أنه قدم رسالة دكتوراه في ما كانت الأمهات والجدات في البوادي المغربية يعرفنَه ويُتْقِنَّه منذ العصور الغابرة دون حاجة إلى معاهد أو مختبرات، ودون أن يحملن درجة الدكتوراه. ومع أنني شخصيا لا أعرف في أي مجال علمي يمكن إدراج هذه الدكتوراه السَّمْنية فسأكون متسامحاً وسأعتبرها أطروحة مؤسِّسَةً لعلم جديد هو “السِّمْنُولُوجيا”.

طبعاً، فالمدعو الفايد قد انقلب على “الخَوَنْج” انقلاباً، ونَكَّلَ ب”أصحاب القَفَاطِنِ” تنكيلا، وجَرَّحَ أوهامَهم وسفَّه أحلامهم تسفيها. وذلك بعد أن أيقن أن كعكة المناصب والامتيازات قد تم توزيعها دون أن ينال نصيبه منها. لكنَّ “العلم” الذي أسَّسَه، أي “السِّمْنُولوجيا”، قد انتقل على ما يبدو إلى مستوى أعلى، وتخطى عتبة العلوم ليرتقي في مدارج الميتافيزيقا على يد أكبر جَهَلُوت في المَلَكُوت: المُسمى ياسين العمري. وقد رأينا كيف خرج هذا الكائن في الأيام الأخيرة ليتحدث عن “سؤال الهوية” من خلال “وضعية مشكلة” لم يسبقه إليها أحد من السابقين ولن يتخطاه نحوَها، بالتأكيد، أحدٌ من اللاحقين: قصرية الرفيسة بالدجاج والسَّمْن. فسؤال الهوية، بكل أبعاده الفلسفية والمنطقية والأنثروبولوجية وغيرها، قد اختزله هذا الكائن في طريقة أكل الرفيسة ب”اليد العارية” وبشكل يجعل السمن الذائب يتقاطر من بين البَنَان ويسيل على الزِّنْد. وما كاد ذلك الكائن ينتهي من ذاك التوصيف المثير للقَرَف حتى انطلقت تصفيقاتُ “المَدَاويخ” وكأنه قدم تفسيرا جديدا لتمدُّد الكون!

هل يحتاجُ الأمرُ بعد كل هذا إلى تفسير أو حتى إلى تعليق؟

لا أظن ذلك. ففي واقع الحال ما يغني عن المقال. وواقع الحال أن ساحتنا الثقافية فارغة، مُقْفِرَة، وأن الحشودَ البلهاء، المُغَيَّبَة، تسير وراء المهووسين ب”الزرود” وبغريزة الافتراس. وتصفيقاتُ “المَدَاويخ” لمبتكر نظرية “الهوية السِّمْنُولوجية” ليست في الواقع تصفيقاتِ تشجيع أو إعجاب، بقدر ما هي فلتة من فَلَتات “اللاوعي المُفترس” المسكون، هو الآخر، بالدجاج والسَّمن.

أضف تعليق