ليس أبو خشيم شخصاً رغم أن البحث على الأنترنت يفضي إلى عشرات الأشخاص الذين يحملون الاسم نفسَه. بل هو اسمٌ من أسماء العضو التناسلي للمرأة حسب ما أورده صاحب “الروض العاطر في نزهة الخاطر” و”كتاب الإيضاح في علم النكاح”، واللذين كان مراهقو السبعينات يقرأونهما خلسة. وكلُّ مَنْ ضُبِطَ متلبساً بذلك كان مصيرُه يتراوح بين الفلقة على يد المُعلِّم وبضع صفعات من يد الأب. ففي ذلك الكتاب يورد النفزاوي أسماء العضو التناسلي الأنثوي لدى العرب. وهي، بالطبع، أسماء عديدة من بينها “أبو خشيم”.
طبعا، فالتسميةُ ليست فعلا اعتباطياً رغم أن العلاقة بين الدال والمدلول، أي بين الاسم والمسمى، تبقى اعتباطية حسب ما يذهب إليه مؤسس اللسانيات، السويسري فردناند دي سوسير. ذلك أن التسمية مشتقة من الفعل الرباعي “سمَّى” الذي يعود إلى الأصل الثلاثي “سَمَا”. ومن هذا الأخير اشتُقَّ لفظُ “السماء” و”السمو”، وبالتالي فإن التسمية معناها الترقية، أي الارتفاع بالشيء من وجوده المادي، العيني، الملموس، إلى وجوده الذهني، العقلي، الرمزي، المفهومي، المجرد.
وحين يضع العرب عشرات الأسماء للعضو التناسلي للمرأة فهذا ليس عبثا، ولا يمكن القفز عليه، لأن هذا العدد يعكس نوعاً من الهوس الجنسي الذي قد يكون مَرَضياً. وهو ـ للأمانة! ـ هوسٌ لا يقتصر على اللغة العربية وإنما يوجد في لغات أخرى أيضا.
ولربما لم يكن هذا الهوس يقتصر على اللغة إجمالاً، وإنما هو يعود إلى ما قبل اللغة. فنحن نجد تجلياته في القطعان والمجموعات الحيوانية حيث يستأثر الذكر المسيطر، أو ما يسمى ب”الذَّكَر أَلْفَا”، أو الذكر الأول، بجميع الإناث داخل القطيع أو داخل المجموعة الحيوانية. وفي نفس الوقت فإنه يمنع عن باقي الذكور إقامة أي علاقة جنسية مع هؤلاء الإناث. وبحكم ذلك يصير الصراع من أجل الزعامة والقيادة، داخل القطيع أو المجموعة الحيوانية، متماهيا مع الصراع من أجل السيطرة على الإناث، أي من أجل الجنس. وكل ذكر ينجح في انتزاع الزعامة يستأثر هو الآخر بالإناث دون غيره، ويتحول إلى حارس للأعضاء التناسلية لهؤلاء الإناث، يذوذ عنها بكل ما يملك من قوة ليحول بينها وبين غيره من الذكور حتى وإن بلغ الأمر حدَّ القتل أو الموت.
ولعل نفس السلوك كان سائدا لدى الإنسان أيضا في مرحلة ما من مراحل تطور المجتمعات البشرية. غير أن الإنسان ـ كما يشرح ذلك عالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي ستراوس في كتابه الشهير المعنون ب “البنيات الأولية للقرابة” ـ اهتدى إلى التبادل، وظهرت لديه فكرة “المحارم”، فكان تحريم الزواج من أقرب الأقارب وسيلة لظهور “الأَبَاعِدِية” ، أي للزواج من الأباعد، وبالتالي أداةً لتقوية الأواصر وتمتين الروابط داخل المجتمع.
لكنَّ الذكر لم يتنازل، رغم ذلك، عن دوره كحارس لفرج الأنثى. فظل الرجل يحرس فرج ابنته وأخته وحفيدته و… إلى أن يسلمها لزوجها الذي يتولى هو الآخر حراسة عضوها التناسلي إلى جانب إناثٍ أُخريات. وقد ظل هذا الوضع قائما إلى أن تحرر الفرد من هيمنة المؤسسات الاجتماعية، أو لنقل مع كارل ماركس إلى أن انقلبت العلاقة بين الفرد والمؤسسات الاجتماعية في المجتمع البورجوازي إبان القرن الثامن عشر، فصارت المؤسسات في خدمة الفرد بعد أن ظل الفرد في خدمة المؤسسات طيلة المراحل السابقة من التاريخ.
بروزُ الفرد، ككيان مستقل ترتبط به منظومة متكاملة من الحقوق والحريات، أدى بطبيعة الحال إلى تشَكُّل نسق الحقوق والحريات الفردية. وصار هذا النسق بدوره جزء لا يتجزأ من المرجعية الكونية لحقوق الإنسان. فلم يعد من الممكن للذكر أن يمارس الوصاية على العضو التناسلي للمرأة البالغة، العاقلة، حتى وإن كانت ابنته أوأخته. ولم تعد القوانين تعترف بالتفاوت بين الذكر والأنثى من البشر، وصار كلٌّ منهما شخصا إنسانيا يملك نفس الحقوق والحريات الفردية دون أي تمييز. ومنذ القرن الثامن عشر ـ تاريخ الانقلاب الذي تحدث عنه ماركس على صعيد العلاقة بين الفرد والمؤسسات الاجتماعية ـ إلى اليوم قطعت المجتمعات المعاصرة أشواطا هائلة من التقدم في مجال الحقوق والحريات، ولم يعد أحدٌ يناقش مسألة التفاوت بين المرأة والرجل. وكل من تطرق إلى ذلك واجهته ضحكات السخرية وقهقهات الاستهجان.
بَيْدَ أن فصائل بعينها، في مجتمعات بعينها، ما تزال ذهنياً ونفسياً في مرحلة القطيع الحيواني، وما يزال يراودها الحنين اللاواعي إلى تلك المرحلة الغابرة من تطور النوع البشري حيث كان “الذكر الأول” يستأثر بجميع الإناث. أو لعلها ـ على أقل تقدير ـ ما تزال تحن إلى ظلام العصور الوسطى حيث كان الرجل ينصب نفسه حارساً لفُروج بناته وأخواته وحتى خالاته وعماته وربما بنات جيرانه أحيانا. وهذه الفصائل، التي ما تزال تسكُنُها روح “القرد الذكر الأول” رغم إنكارها الشديد لنظرية التطور، ورغم حساسيتها المَرَضية منها، هي التي تختبئ خلف الدين وتسمي نفسها ب”الإسلاميين”. وهي التي اجتمعت قياداتُها، أول أمس الثلاثاء، حول مائدة الإفطار بدعوة من “جماعة الإفك والبهتان” إعلاناً عن بداية التجييش والحشد للوقوف في وجه التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة.
أجل، فحُرَّاسُ “رؤساء الجزائر” هؤلاء يهددون الدولة والمجتمع المغربيين اليوم بما يسمونه “المسيرات المليونية”، بدعوى أنهم يعارضون أحزابا أخرى تريد – حسب زعمهم ـ إقرار قانون يتعارض مع الدين الإسلامي. والحال أن تعديل مدونة الأسرة مبادرةٌ لم تأت من الأحزاب السياسية وإنما جاءت من الملك. ولكن القرد الذي يسكنهم لا قبل له بمواجهة الأسد، ولن يتجرأ أي واحد منهم على الجهر بمعارضة الملك. ولذلك فهم سيوجهون سهامهم لأحزاب بعينها من باب “التقلاز من تحت الجلابة”. وسيخرجون دون حياء ـ في القرن الحادي والعشرين ـ للدفاع عن التمييز ضد المرأة وعن تزويج القاصرات. وبينما ترصُد الأمم المتقدمة الكواكب القابلة للإعمار داخل وخارج النظام الشمسي، فهم يريدون لنا أن نظلَّ حُرَّاساً لأبي خشيم، أي لرئيس جارتنا الشرقية أعزكم الله! وذلك رغم أنهم لم يحرسوا في الواقع “آباء خشيم” في صفوفهم. والجميع يذكر الشيخة الجليلة صاحبة مفهوم “المساعدة على القذف”، ونظيرتها مسؤولة القطاع النسوي بجماعة الإفك والبهتان، وثالثتهما التي كاد تاريخ ميلادها يصبح يوما وطنيا للمجتمع المدني، واللائحة تطول. ولكنهم لا يحشمون!