“جمهورية جحجوج” عملٌ مسرحي جميل لرائد المدرسة الاحتفالية في المسرح المغربي، المؤلف والمخرج المسرحي، الأستاذ عبد الكريم برشيد. وهو أيضا عملٌ كان يستهوي بدرجة كبيرة الصديق الفنان، الراحل عبد الواحد قيصر، الذي عمل على تقديمه كعرض مسرحي في مناسبات عديدة. لكنَّ لفظ “الجمهورية” في تلك السنوات الطافحة بالتوترات السياسية والاجتماعية كان يثير كثيراً من الحساسيات. ولذلك لجأ الراحل عبد الواحد قيصر إلى تغيير عنوان المسرحية من “جمهورية جحجوج” إلى “الجَحَاجيح”.
في المسرحية، لا تتجاوز “جمهورية جحجوج” حدود المقهى الذي تجري داخله الأحداث. وكذلك شأنُ “الجمهورية” التي أتحدث عنها في هذا المقال، والتي أسميها “جُمهورية قَزْقُوز”. واالمقصود بها، بالطبع، “جمهورية” المدعو تاشفين بلقزيز، والتي لم تتجاوز حدود موقع يوتوب، وظلت حبيسة تلك المنصة الاجتماعية مثلما ظلت “جمهورية جحجوح” حبيسة المقهى.
قَزْقُوز وَلَدٌ بالمعنى المصري الدارج للكلمة، بقوام بَدِينٍ، مُكْتَنِز، بَضٍّ، يُذَكِّر بأحد الشخوص النسوية في رواية “زُقاق المدق” للأديب العالمي نجيب محفوظ. وهي سمات تتنافى تماماً مع مواصفات أغلب الذين نجحوا في الاستيلاء على السلطة السياسية، أو الذين حالفهم الحظ في تأسيس جمهوريات، عبر التاريخ. فالفتى الغَضُّ البَضُّ، المستكين إلى الحياة الرتيبة الخاملة في إيطاليا، لا شيء فيه من سمات مُوَحِّدِ شبه الجزيرة الإيطالية، غاريبالدي، ولا شيء يربط بينه وبين موحد ألمانيا، بسمارك، ولا خيط ولا شعرة يجمعان بينه وبين المؤسس العملي للاتحاد السوفياتي، جوزيف ستالين. وهو أبعدُ ما يكون عن كاريزما القادة والزعماء وعن صرامة أولئك الذين يقودون الثورات والانقلابات. وقد كان ـ هو والذين معه ـ يتصورون أن المغاربة عبارة عن قطيع يكفي أن تهش عليه ببضع كلمات عبر الشبكات الاجتماعية ليخرج إلى الشوارع في “ثورة” عارمة تُسقط النظام الملكي وتقيم بدلاً عنه “جمهورية”، ثم تضع على رأسها ذلك “الفتى المُدَلْدَل” إرضاءً لرغبته الطفولية في التسيُّد، كما لو أن الأمر يتعلق بلعبة تشتريها أمٌّ حنونة ل”ولد مُدَلَّل”.
لم يخطر ببال قَزْقُوز أنه في مواجهة دولة بكامل تاريخها، وإمكانياتها الأمنية الهائلة، وعلاقاتها الأخطبوطية عبر العالم. ومضى، هو وثلة من أصحابه، يجمعون الأموال باسم “حركة جمهورية” مزعومة. وفجأة، ودون سابق إشعار أو مقدمات، طفا على السطح غسيلٌ في منتهى النتانة والقذارة. فقد بدأ قادة “جمهورية قزقوز” يتهمون بعضهم البعض بسرقة الأموال التي جُمعت باسم “الجمهورية”. والمضحك أن قزقوز الذي كان يتكلف كثيرا من اللطف المصطنع في مخاطبة زوجته على الشاشة، ويظهر لها الحب أو “البضاض” بلهجة إخواننا الرباطيين، قد وجد نفسه في مواجهة اتهامات بتعنيف نفس الزوجة، وظهر أن “البضاضة” كانت تخفي وراءها كثيرا من الفظاظة.
بالتأكيد، فقزقوز والذين معه لم يكونوا بعيدين عن مخابرات ـ ولا عن مُخَامَرات ! ـ الجمهورية الهوكستانية “الضاربة” بالمعنى البَقَري (البقرة حين ينكحها الثور تسمى “ضاربة” في اللسان البدوي بالمغرب) ، ولا عن أزلام وأقداح صنيعتها، جمهورية صَنْدَلِسْتان، اللتين سارت بحماقاتهما الركبان. ولم يعد أمر حُمْقهما يخفى على العالم منذ عهد بوخروبة، الشهير ببومدين، والذي لم يَكْفِهٍ جيشُه لمحاربة المغرب فجاء بالمرتزقة من بقايا الوندال والغَجَر، وُصُولاً إلى عهد عبد المجيد حاشاكم الذي سجل اسمه في التاريخ كأول رئيس يضرب بالحَجَر!
وبعد أن جَفَّت قاذوراتُ قزقوز ولم تعد قادرة على أن تُزكم الأنوف بروائحها الكريهة، فإن مخابرات هوكستان تعمل اليوم على خلق قاذورات جديدة في صيغة مثيرة للشفقة : “جمهورية الريف” التي يقدر عدد سكانها بخمسة أفراد وتمتد على مساحة بضع مئات من الأمتار المربعة في أحد أحياء العاصمة الجزائرية. ولعل هذه “الجمهورية القزقوزية” الجديدة هي “الحجر” الذي يريد عبد المجيد حاشاكم أن يضرب به المغرب. فكأنه نسي، أوتناسى، أن كل الأحجار الهوكستانية قد تكسرت أمام الدبلوماسية المغربية المسؤولة، والرصينة، التي لا تبني قراراتها وخطواتها على الانفعالات اللحظية، وتعمل على مشاريع يتجاوز أثرها الإيجابي المغرب إلى القارة الإفريقية بأكملها. وعوض أن يبادر عبد المجيد حاشاكم والذين من ورائه إلى الانخراط في الرؤية المغربية والاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي يتيحها مشروع الواجهة الأطلسية، فهم يُغرقون الجزائر في مزيد من العزلة ويُعرضون اقتصادها المُنهار أصلاُ للضربة القاضية. وما يزال النظام الجزائري يراهن على النموذج القَزْقُوزي لإسقاط الملكية في المغرب. وكلما أمعن في المحاولة وجد أنه يحصل له ما حصل لِسَجَاح في خباء مسيلمة. ولن نستبعد أن يطلع علينا يوما ما من المغرب كتاب بعنوان : “ما يجوز وما لا يجوز في نكاح القَزْقُوز”.