للمغاربة طُرُقٌ غريبة في التنمُّر. ومن ذلك أنهم يقولون بأن “تلك” تبحث عن أختها خمسين عاماً في الماء. والمقصود ب”تلك” هنا هو المقذوف الشرجي البشري الذي ينتهي، في المدن والمناطق الساحلية، إلى البحر. ورغم أن ذلك المقذوف لا يمكنه أن يعيش بالفعل خمسين سنة فإن التنمُّر المغربي جعله يعيش نصف قرن حتى تستقيم الصورة.
ومع الاعتذار للقارئ عن الرائحة التي تفوح من مقدمة هذا المقال، والتي تجعل الفرق ينعدم بين المقدمة والمؤخرة، فقد وَجَبَ توضيحُ أسباب نزول هذا الفيض “القادوسي”. وهي ترجع إلى ما أقدم عليه الكيان الذي يوجد في جنوب المغرب، والذي يسمى موريتانيا اختصارا، ويسمى رسميا بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث دعا زعيم عصابة البوليساريو الإرهابية، المدعو إبراهيم غالي، لحضور مراسيم تنصيب المدعو “ولد الغزواني”، رئيس الكيان المُخْتَلَق المسمى “موريتانيا”.
لا داعي لأن نُذكِّر بأن هذا التَّقَافُز الصبياني يأتي متزامناً مع الموقف الفرنسي الرسمي الذي جاء مؤيدا للرؤية المغربية في ملف الصحراء المغربية، أي أنه أتى مساندا لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وهو الموقف الذي أثار رد فعل في غاية التشنج من طرف العصابة التي تحكم الجزائر، بلغ حد سحب السفير الجزائري من باريس.
وعليه، فإن دعوة واستقبال زعيم البوليساريو من طرف الكيان الموريتاني يأتي امتثالا لتوجيهات قُطَّاع الطرق الذين يحكمون الجزائر. وليس له أي تفسير آخر على الإطلاق. وهو أمر مفهوم في جميع الحالات. ذلك أن هنالك قاسَماً مشتركاً بين الكيانات الثلاث: جمهورية الكابرانات، وجمهورية الصبيان، وجمهورية صندالستان. الأولى خلقها الاستعمار الفرنسي سنة 1962 بعد أن سطا على أراض مغربية تمتد إلى حدود ليبيا ومالي وألحقها بالجزائر حين كانت مقاطعة فرنسية. أما الثانية، أي جمهورية الصبيان، فقد خلقها الاستعمار الفرنسي أيضا قبل ذلك بسنتين، أي سنة 1960، بعد أن اقتطع من المغرب إقليم شنقيط وأقام عليه كيانا أسماه “موريتانيا”. وأما الثالثة، أي جمهورية صندالستان، فقد كانت في الأصل مشروعا استعماريا من إنتاج الدكتاتور الإسباني، الجنرال فرانكو، قبل أن يتلقفها بوخروبة والقذافي.
ولا غرابة اليوم أن تجتمع كراكيز الاستعمار القديم لتقوم ببعض البهلوانيات بعد أن صار صانعاها نفسيهما، أي إسبانيا وفرنسا، يؤيدان الموقف المغربي. فجمهورية الكابرانات، وجمهورية صندالستان، وجمهورية الصبيان، خرجت عن الطوق، وتمردت على آبائها الأولين، وصارت اليوم جميعُها تابعة لجمهورية العمائم التي لم تستطع حتى أن تحمي سماءها من الصواريخ الإسرائيلية وهي تغتال ضيوفها في قلب عاصمتها.
بالتأكيد، فصبيانيات سنافر نواكشوط لا تقدم ولا تؤخر. وأيام جمهورية صندالستان داخل الاتحاد الأفريقي لن تطول. و سنرى الخسارات الدبلوماسية تتوالى على شرشبيل المُرادية ومَنْ معه داخل الفضاء الإفريقي بعد أن أدركت دول القارة أن مصالحها الاستراتيجية، ومستقبلها الاقتصادي، وآفاقها التنموية، تتحقق بالتعاون مع المغرب. أما “طَرَاطِرَةُ” جمهورية “هُوكلاندا العظمى” فليس لدى إفريقيا ما تنتظره منهم وهم العاجزون عن حل معضلة طوابير الخبز والحليب داخل بلادهم نفسها.
نعم، فالمغرب الرسمي لم يتفاعل مع صبيانيات سنافر نواكشوط بالشكل الذي كانوا يتوقعونه. وتبدو الدبلوماسية المغربية وكأنها تتجاهل الأمر بالكامل. وهذا ليس بالجديد في الثقافة السياسية المغربية. فمنذ سنوات كانت تروج مستملحة تقول بأن وفداً من الكيان المسمى “موريتانيا” ذهب للتفاوض مع البنتاغون الأمريكي حول صفقة سلاح. وحين وصل الوفد إلى واشنطن سألوا أعضاءه عن أسمائهم. فأجاب الأول بأن اسمه “ولد المختار”، والثاني بأن اسمه “ولد الكيلاني”، والثالث بأن اسمه “ولد عمر”، وهكذا إلى أن انتهت أسماء الوفد، وعندها قال لهم الأمريكيون: “سيروا حتى تجيبوا والديكم وجيوا”.
فهل أخطأت حين سميتُها “جمهورية الصبيان”؟ لا أظن. ولربما كان الأولى أن أسميها “جمهورية الغلمان”.