لا علاقة على الإطلاق بين “الثورة القذافية” وما فعله العقيد معمر القذافي، في ليبيا، طيلة اثنتين وأربعين سنة. فما قام به القذافي كان سطواً على السلطة السياسية، عبر انقلاب عسكري، نجمت عنه حمامات من الدم التي سالت داخل ليبيا أو حتى خارجها بفعل دعم القذافي للتنظيمات الإرهابية، وإسهامه في صناعة عدد من الحروب، مروراً بانخراطه في حرب خاسرة ضد تشاد، وانتهاء بجلبه المرتزقة من الخارج لتقتيل شعبه الذي حمل السلاح لإسقاطه.
طيلة اثنتين وأربعين سنة من اغتصاب السلطة لم يحقق القذافي شيئا لليبيا باستثناء الزيادة في اسمها الذي أصبح رسميا هو “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى”. أما في ما عدا ذلك فقد رأى العالم أجمع، أثناء أحداث “الربيع العربي”، كيف كانت المدن الليبية تفتقر إلى أبسط البنيات التحتية مثل قنوات الصرف الصحي. وذلك رغم أن البلد يسبح في بحر من البترول دون احتساب الثروات الباطنية الأخرى التي تزخر بها الأرض الليبية. لكن الثروة كانت تذهب إلى حسابات القذافي في الداخل والخارج، وحسابات آله وصحبه، بينما كان نصيب الشعب والبلاد هو شعارات “الثورة” كما هو شأن كل الأنظمة والأحزاب المتبجحة ب”الاشتراكية”.
ومثلما زاد القذافي في اسم ليبيا فقد كان يأبى إلا أن يُذَكِّر الليبيين والعالم أجمع بأن اسمه الكامل هو “معمر محمد عبد السلام بن احميد أبو منيار بن احميد بن نايل القُحصي القذافي”، على عادة البدو في المفاخرة بأسمائهم وأنسابهم. وحتى بعد مرور ثلاثة عشر عاما على رحيل القذافي فإن ليبيا ما تزال تعيش تبعات ما يزيد عن أربعة عقود من تسلطه واستبداده، ولم تخرج حتى الآن من الجحيم الذي أدخلها إليه وكأنه بذلك يقول إن مولده في قرية اسمُها “جهنم” لم يكن محض صدفة، أو كأن لعنته لن تكون أقصر من اسمه الكامل ولا أقصر من الاسم الخرافي الذي أطلقه على ليبيا.
كل هذا لا علاقة له ـ كما قلت من البداية ـ ب”الثورة القذافية” التي أتحدث عنها هنا. فهذه الأخيرة هي منتوجٌ مغربي خالص، وتستحق أن تُصنَّفَ كتُراث وطني، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يشملها النسيان أو أن تمحوها عادياتُ الزمان.
الثورة القذافية هي تلك الثورة المفهومية، والفقهية، واللغوية، التي دشنتها الشيخة الفاضلة فاطمة النجار حينما أعلنت أنها لم تكن تمارس الجنس مع أخيها في قيادة حركة التوحيد والإصلاح، الشيخ عمر بنحماد.
فهي ثورة مفهومية لأنها تنقل الفعل الجنسي خارج الزواج من دائرة “المُحَرَّم” و “المُجَرَّم” إلى دائرة العمل الإنساني النبيل باعتباره مساعدةً لشخص في حالة خطر. والخطرُ في هذه الحالة هو، بالطبع، عدم القذف. وهذا لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، ولا يَتَنَابَحُ فيه كَلبان. فالطب في العالم أجمع يقر بأن عدم القذف يشكل بالفعل خطرا على الصحة لدى الرجل ويعتبر من أهم أسباب تضخم البروستات. وعلاوة على ذلك فهو قد يصير سببا في تضخمات أخرى كما حدث مع العضو القيادي في نفس الحركة، وفي الحزب السياسي التابع لها، الوزير السابق محمد يتيم، الملقب ب “الكبيدة”، والذي التحم التحاماً كاملاً مع مُدَلِّكَتِه قبل أن يخرج ليعلن بأن لم يمارس الجنس لمدة عشر سنوات.
نحتاج اليوم إلى هذه الثورة المفهومية التي أحدثتها الشيخة فاتي لكي يعرف الجميع خطر الاحتباس المنوي على الصحة الجسدية والنفسية، بل وعلى “الانسجام الحكومي”، عسى أن يتم إسقاطُ التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين العاقلين.
وإضافة إلى ما تقدم فهي ثورة لها أيضا بُعدٌ اقتصادي كبير لأنها ستنعش سوق السياحة الداخلية بكل تأكيد، وسوف تساهم في الرفع من استهلاك جميع لوازم “الليالي الملاح” وما يعقبُها في الصباح من قهوة ومن لبن سائغ للشاربين، ومسكنات لصداع الرأس من الباراسيتامول إلى الأسبيرين، وما إلى ذلك من مستلزمات الحيوية والنشاط المُبين. ولا شك أن بركة الشيخة فاتي ـ حفظها الله ـ ستمتد إلى قطاعات وأنشطة لا سبيل لحصرها هنا.
وعلاوة على كونها ثورة مفهومية فهي ثورة فقهية. ذلك أنها تمثل اجتهادا غير مسبوق في “فقه التيسير” وتقي المغرب والمغاربة من شرور “فقه التعسير” وما ينتج عنه من إفشاء للتطرف، والتعصب، وتعطي لكل “قّذَّاف” سندا شرعيا لممارسة القذف باعتباره وقاية للنفس والبدن. وهذه، دون شك، إحدى الغايات الكبرى للشريعة. فكل ما يجلب المنفعة للنفوس والأبدان، وللشعوب والأوطان، مأمورٌ به شرعا ويدخل في خانة الواجب.
وهي، أخيراً لا آخِراً، ثورة لغوية لأنها تجعلنا ندرك خطورة اللغة. فبواسطة اللغة استطاعت الشيخة فاتي (ويا لها من عبقرية!) أن تحول الفعل الصباحي الذي كانت تقوم به على الشاطئ من فعل يُنظر إليه عادةً على أنه “رذيلة” إلى فعل يجسد الفضيلة ويدخل في خانة “الإسعافات الأولية”. ولربما سيكون من الضروري التفكير ـ ضمن مشروع الدولة الاجتماعية ـ في إدراج خدمات “المساعدة على القذف” على قائمة العلاجات المشمولة بالتغطية الصحية، فيصير بإمكان المواطن المستفيد تعبئة “ملف طبي” لدى إدارة الفندق، أو النزل، الذي فيه تمت العملية بسلام. ولم لا؟ فنحن بلد “الاستثناء” الذي لا يمكن أن يترك مواطنيه فريسة للاحتباس أو للاستمناء. ومن أعظم تمظهرات الاستثناء المغربي أن “صعود الإسلاميين” (ونزولهم أيضا!) لدينا لم ينتج اعتصامات، ولا عمليات قنص قُبيل الفجر، ولم تُسفَك بسببه قطرة دم واحدة. بل إنه قد أنتج ثورة مفهومية وفقهية ولغوية تؤسس لشرعية العلاقات الرضائية. وما على وزير العدل إلا أن يعرف كيف يستثمر هذه الثورة. ولربما كان الأقرب إلى الصواب أن يعين الشيخة فاتي مستشارة له بدل “الشيخ” أبي حفص المسمى رسميا عبد الوهاب رفيقي. ولكنكم ـ أيها الوزراء ـ على رأي الشيخ الكُرَيْمي: “ما كتعرفوووووش تقلبوووووا!”