لا أنتمي تربوياً، ولا زمنياً، للجيل الذي نشأ على أنشودة “فرس علي”. لكنني ـ رغم ذلك ـ أجدها جِدَّ معبرة. وخاصة في تلك الجملة المَطْلَعية التي تقول: “فرسُ علي ينام في الإسطبل، بينما علي يزدرد الحلوى”. فهي تعكس المسافة الفاصلة بين “حياة علي” وحياة “دابة علي”. وبينما علي “يَزْدَرِدُ الحلوى” تكتفي الدابة بالنوم في الإسطبل ولا يتجاوزُ أفقُها الغذائي بعض العَلَف الروتيني الذي تستهلكُه على الدوام بطريقة روتينية.
تحكي الأنشودة قصة لا تهمنا تفاصيلُها هنا إذ تتعرض الدابة للسرقة ويأخذها السارق ـ كما تقول الأنشودة ـ إلى “الغابة البعيدة”. فما يهمنا هنا هو، بالأحرى، ذلك الفعل: الازْدِرَاد، والذي يعني ـ من ضمن ما يعنيه ـ الابتلاع بدون مضغ بفعل الشراهة. ولعلَّ من الظن ـ بصرف النظر عن حَسَنِهِ من سَيِّئِه!ـ ما يَشِي بأن العلاقة بين علي ودابَّتِه تكاد تكون ـ إن لم تكن بالفعل! ـ بمثابة تجسيد للعلاقة بين القيادات الحزبية لدينا من جهة ومَنْ يحمل صفة “المُناضل” الحزبي من جهة ثانية. ذلك أن القيادات الحزبية لا تفعل شيئا سوى أنها ـ مثل علي تماماً! ـ تزدرد الحلوى، أي أنها تبتلع المناصب، والامتيازات، وتبتلع حتى الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية، ولجرائد الأحزاب التي لم يعد يقرأها أحد، بينما “المناضل” ـ مثل فرس علي تماما! ـ ينام في الإسطبل، أي في الحزب، إلى أن تستنفره القيادة ليُردِّدَ ما تريده أنه يُرَدِّدَه من شعارات، ومن خطاب، ويصفق لها كما تفعل الكراكيز في مسرح الدُّمَى مستجيبَةً لليد الذي تحرك الخيوط في الكواليس.
لا مجال في الأحزاب السياسية المغربية لذلك المُناضل الناقد، الذي يريد أن يفهم، ويتفحص، ويناقش، ويصوت على المواقف والقرارات بطريقة ديموقراطية، قبل أن يتبناها ويدافع عنها إذا ما اقتنع بها، أو يرفضها إذا ما بَدَتْ له غير مُقْنِعَة. بل إن القيادات الحزبية لا تريد غير “المناضل” المَطِية، الذي لا يتردد في قول “آمين” لما يقوله “الزعيم” حتى وإن قال بأن “الفيل يطير”. وهذا الصنف من المطايا ليس بالتأكيد “فَرَساً”. فالفرس يحظى على الأقل بالاعتراف له بالذكاء. بل إن وضع “المناضل” المطية، في الأحزاب السياسية المغربية، يبقى أقرب إلى التمثل السائد لدابة أخرى: الحمار. واستنتاجاً، فلا يجوز أن نتحدث، ونحن نُقارب العلاقة بين القيادات الحزبية وهؤلاء “المناضلين”، عن “فرس علي” بقدر ما يصير الأقرب إلى الصواب والواقع معاً هو أن نتحدث عن “حمار علي”.
و “حمارُ علي” لا يعرف، بالطبع، أنه حمار مُمْتَطىً على الحقيقة والمجاز معاً. بل إنه يُقبل على “العَلَف الديماغوجي” الذي يقدِّمُه له علي، ويَسْعَد به أيَّمَا سعادة، ويتشبث به حدَّ التماهي، ويُدافع عن جودته باستماتة نادرة. أما “الحلوى” التي يزدردُها علي، أي المناصب والامتيازات، والثروات، فيبدو أن “حمار علي” لا يهتم بها على الإطلاق. وهو أمرٌ يكاد يكون مُقْنِعاً تماماً لأن الحمير عادةً لا تتذوق الحلويات.
لكنَّ الغريب هو أن “حمار علي” لا يحتفظ بحماريتِه لنفسه وإنما يريد أن يفرضها على الجميع، وهو يجدُّ ويَكِدُّ لكي يحولنا جميعا إلى “حُمُرٍ مُسْتَنْفَرة” في هذه السنة الانتخابية التي لم يعد يفصلنا عن دخولها إلا شهران اثنان.
يريدنا “حمار علي”، في صيغته “الإسلامية” و “اليسارية” خصوصا، أن نصدق أنَّ ثرثارا مثل بنكيران يدافع عنا نحن “مزاليط البلاد”. ويريدنا أيضا أن نؤمن بأن مُضَلِّلاً مثل نبيل بنعبد الله، أو مُخَرِّفَةً مثل نبيلة منيب، أو مُهَلِّلاً مُنتَهِي الصلاحية مثل إدريس لشكر، يكترثون لأحوالنا ويملكون، بالفعل، حلولا لمشاكلنا. وهو يعرض علينا ـ بكامل حِمَارِيَتِه الوَقِحة أو وقَاحَتِه الحمارية ـ أن نُقاسِمَه العَلَف الذي يُطعِمُه إياه “علي”، وأن نلتحق به لننام معه داخل الإسطبل، ونترك “علياً” يزدرد الحلوى بأمان إلى أن يأتي من يسرقُنا في نهاية السنة الانتخابية ويأخذنا، مرة أخرى، إلى “الغابة البعيدة”، غابة الكلام الفارغ، والقهقهات البلهاء، والغراميات “الحلال” التي تمتد من “المساعدة على القذف” إلى سرقة زوجات “الإخوان”، ومن “جوج فرنك” بعُمْلَة “وزيرة النووي” إلى الملايين المسفوحة على موائد البوكر.
كلاًّ يا حمار علي!
ستنام وحدك في الإسطبل. وهنيئاً لك العَلَف!